ونفس وما سواها ،
فألهمها فجورها وتقواها.
قد أفلح من زكاها ،
وقد خاب من دساها .
صدق الله العظيم
رسالة حوار: نحو سلفية صوفية حقا سنية وحقا قرآنية وجامعة :
ونفس وما سواها ،
فألهمها فجورها وتقواها.
قد أفلح من زكاها ،
وقد خاب من دساها .
صدق الله العظيم
بعد تجربة صوفية:
مليئة بالأنوار المشجعة ..
وبالظلمات القاهرة ..
وفياضة بالعديد من الأسرار والجذبات ..
قد دامت لزهاء 35 سنة حتى اليوم ...
وبعد أن إكتملت دورتي الروحية ولله الحمد ..
وإستقر فهمي على مقام البداية ..
وعلى تجديد بعض أحوال التوحيد..
وكل مقام التوبة ....
وبعد دراستي العملية والذوقية للعديد من كتب ودواوين وأحزاب وأوراد أولياء التصوف قدس الله أسرارهم ..
وإطلاعي على فقهيات العديد من الناقدين لهم ولكل التصوف ...
وبعد أن إكتملت :
كل مسودات مدرستي الفكرية الإصلاحية : المدرسة العرفانية للسلام الإسلامي على : kotouby.blogspot.com .
وكل مسودات معهدي القرآني للتصوف السني على : assamae.blogspot.com
فاضت روحي لكتابة هذه الرسالة :
لعلي أشرح بإيجاز :
ما غمض من تصوفنا .
وما إلتبس من حقائقنا .
ولأقرب علميا وعمليا :
بين بعض عرفاننا الصوفي
وفقه السلفيين
وفهم بعض المفكرين.
يظن العديد من فقهاء السلفية لا كلهم :
بأنهم لوحدهم على منهاج السنة ..
وبأنهم لوحدهم الوراث الشرعيون للعلوم المتواثرة عن السلف الصالح ..
بل والممثلون الأوحدون للصحابة رضوان الله عنهم ..
وللحد الذي سمى البعض منهم جماعته :
بالفرقة الناجية ، وبأهل السنة والجماعة ..
ولهم بعض الحق في ذلك لأن سلفنا وسلفهم رضوان الله عليهم إعتنوا أول ما إعتنوا به :
بتوريث نصوص القرآن والحديث الذي هو إختصاصهم والذي هو كل أساس إسلامنا الحنيف وعلوم جل الرعيل الأول رضوان الله عليهم ..
وقبل أي تدوين لإجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم ..
وقبل أي من علوم القرآن والحديث واللغة والتدبير والتدبر ..
وقبل أي من فقهيات العمل :
والتي إختص الفقهاء في تبيان ظاهرها ..
كما إختص المتصوفة في التربية على باطنها .
بل ولم يكن لا الفقهاء ولا المتصوفة الأولون يفرقون بين العلمين :
فلا ظاهر دون باطن .. كما لا باطن دون ظاهر .
وبالتالي فلا حقيقة صوفية دون شريعة سنية .
كما يروى عن الإمام مالك رضي الله عنه :
من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق .
وكما يروى عن الإمام الشافعي رضي الله عنه :
فقيها صوفيا كن ، لا واحدا .
كما أن العديد من كتب الفقه - ومنذ العصور الأولى - ملآى بالأدلة القرآنية وبالإشارات السنية والسلوكات المشرعة للتصوف كفقه سني مختص في السلوك القلبي ، وأذواق ومعارج الروح والقرب ...
وبالتالي فإن التصوف فقه مركب وذوقي وعملي ..
وتربية قلبية وروحية إختص فيه الأولياء قدس الله أسرارهم فقط :
فكما ترك لنا الفقهاء كتبا ومعارف مختصة في قول الله تعالى عن الرسول صلوات الله عليه :
(ويعلمهم الكتاب والحكمة) إنطلاقا من فقه الظاهر.
ترك لنا الأولياء زوايا مختصة في بعض هذا وفي مهمة الرسول صلوات الله عليه :
(ويزكيهم) إنطلاقا من فقه الباطن .
فلم يكن الرسول صلوات الله يعلم بنصوص القرآن والحديث فقط كما يظن بعض الفقهاء ..
بل كان يربي بالتكليف بالأذكار والإعتكاف ..
وبالأعمال والإشارات واللمسات والنظرات ... وغيرها ...
وكلها علوم :
أثمرت لنا فقهاء ورثوا لنا إجتهاداتهم العلمية ..
كما أنتجت لنا أولياء ورثوا لنا تجاريب روحية ونورانية وبشريات ....
ولحد ترتيبهم لكل أحوال ومقامات السلوك القلبي والروحي نحو رحاب الله تعالى ونحو القرب منه..
وبكل إحسان كما قال الرسول لجبريل عليهما السلام :
(الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه) :
وهو مقام المشاهدة والكشف والتجليات ذوقا وروحا عند الصوفية .
(فإن لم تكن تراه فإنه يراك) :
وهو مقام المراقبة عندهم .
ولا ندعي هنا بأن كل صوفي محسن .
كما أنه ليس كل مسلم بمومن.
كما أنه ليس كل مومن بمحسن .
وبالتالي فإن إختصاص الفقهاء في قوله تعالى عن الرسول صلوات الله عليه : (ويعلمهم الكتاب والحكمة) وعلوم الحديث .
بينما التصوف : ففقه التزكية ومهمة الرسول صلوات الله عليه في قوله تعالى : (ويزكيهم).
وبالتالي فإنه يعني ومن بين آلاف التعاريف :
صدق التوجه القلبي والروحي لله تعالى
وفقه الإحسان .
وعلم اليقين .
والعلم اللدني ...
وهي علوم إختص فيها صادقوا الأولياء قدس الله أسرارهم من آل البيت عليهم السلام كأقرب وراث لهاته التربية ..
لا أدعياؤهم أوبعض الزوايا الغارقة اليوم في القبوريات والشركيات والبدع .
والتي ننادي بإصلاحها الواجب عبر مدونتنا :
Kotoub67.blogspot.com
رجاء التقريب العملي بين التسلف والتصوف .
وبمنهجية صوفية أشعرية سلفية تجديدية اللهم آمين .
وإن أكبر خطإ لا يزال يقع فيه الكثير من فقهاء التيار السلفي وليس كلهم كما أكدنا :
إدعاءهم بأن منهجهم لوحده هو المنهاج النبوي..
نافين لتعدد المناهج ، ولإجتهادات كل من سواهم .
ولو كانت أدلتهم كلها نقلية كما هو أسلوبهم ..
ورافضين للكل لأدنى شك في الجزء كما هم متشددوهم ..
بينما أثمر لنا المعتدلين منهم - وككبار الأولياء قدس الله أسرارهم - فقها متينا يجمع بين النقل والعقل ...
ويقبل الإختلاف والتنوع كماهي السلفية العلمية الحقة .
وليبقى النقل بالعقل هو الأداة المثلى لفضلاء العلماء جميعا ، ولأولي الألباب من الأمة..
والذين بهم لا نزال نغترف جديد العلوم والفقهيات والمعارف والعرفانيات ..
وكل الإجتهادات المستجدة ...
فرغم أن فقه العبادات والمعاملات موقوف على الصحابة رضوان الله عليهم وجل فقه العمل ، ستبقى الثقافة الإسلامية أوسع من كل ثرات السلف والخلف ..
وذاك لأن العقل الإسلامي الحق عقل قرآني كلي وكوني طبيعي وغيبي وسني عملي ، ولا تسعه إلا الرؤيا الوجودية للرسول صلوات الله عليه ..
والتي لا تزال كل التيارات غارقة فيها بين مهتدية وضالة ، وبين مجددة ومقلدة ..
ولهذا كذب من إدعى بأن فكر الصحابة كان واحدا .
بل كان وحدويا على العمل ، ومحتضنا للاختلاف دون تضاد .
المهمة التي لم يطقها التابعون وكل من أتى بعدهم .
فظهرت الفرق منذها ..
وبرز الخلاف المذموم بعد أن كان إختلافا محمودا..
وليحتد من وقتها الصراع على الدنيا بإسم الدين كما حال الكثير من تياراتنا اليوم وللأسف ....
ولينزوى ومنذ القرن الثاني للهجرة - بسبب هذا - بعض الزهاد المسلمين للعبادة .
فبرز معهم التصوف إجتماعيا وجماعيا بعد أن كان التقشف والسلوك القلبي ظاهران في كل السنة النبوية وحياة الصحابة رضوان الله عليهم ...
بل وبعد القرآن الكريم كان أول من أصل للزهد في الدنيا سيرة الرسول صلوات الله وبعض الصحابة ..
كما أصل بعد القرآن الكريم لفقه الولاية كأعلى مقام يقيني الحديث القدسي للرسول صلوات الله عليه :
من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب لي عبد بأحب إلي مما إفترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب لي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولءن دعاني أجبته ولءن إستعاذني لأعيذنه
فظهر من بين هؤلاء الزهاد خاصة الخاصة من المتصوفة الأوائل :
ومن السامعين المبصرين بالله.
والذين لا حركة ولا سكون لهم إلا به سبحانه ..
والذين يحيون ببصائر القلوب والأرواح..
لا بالأجسام والعيون فقط .
ولهذا كان إيمانهم يقينا.. وعلمهم عرفانا .. وفقههم أشواقا وأذواقا وأسرار وتزكية...
ومنذ البدء فقهوا بأن عرفانهم هذا لخاصة الخاصة كما قال الرسول صلوات الله عليه في خطبة الوداع : رب مبلغ أوعى من سامع .
وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبعض الصحابة : هاهنا علم غزير لو وجدت له حاملا .
فظهرت الخانقانات والزوايا لهاته التربية القلبية والروحية الخاصة .
كما ظلت المساجد - وبعدها المدارس - للمجالس العلمية العامة..
فالتصوف إذن :
من العلوم المكنونة في الكتاب والسنة وحياة الصحابة ..
ومن التجاريب واللدنيات الموروثة عن السلوك القلبي والروحي للأولياء قدس الله أسرارهم..
والذين رتبوا أحوالها ومقاماتها وربوا عليها مريديهم :
لعلهم يفقهون ما فقهوا من الأعمال والأذواق والأنوار والأسرار..
ولعلهم يبشرون بما بشروا به من ولايتهم لله ..
ومن ولاية الله لهم:
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
الذين آمنوا وكانوا يتقون .
لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة :
وبالتالي فإن الولي قرآنيا :
لا يخاف ولا يحزن
ومومن تقي
بل ومبشر دنيا وآخرة
ولا يبصر ولا يسمع ولا يتحرك إلا بالله عند كمال إنسانيته .
وربما إصطفاه الله سبحانه للدنياته العلى كما بقوله تعالى عن الولي الخضر عليه السلام : آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما .
فيبشره الله بعلم اليقين عن عين يقين وعن حق يقين في الدنيا قبل الآخرة. وكلها مصطلحات قرآنية .
ولهذا يبقى التصوف من أسمى علوم الإسلام والقرآن والسنة:
لأنه فقه إحسانهما
وعلم اليقين فيهما
بل ومن علوم الآخرة التي لا تسعها في كمالاتها إلا حياة البرزخ .
بل ومن اللدنيات المتعلقه بذات الله العلية ، وبالنظرة الوجودية والشاملة للرسول صلوات الله عليه .
فهو ذوق تجليات أنوار الله تعالى وصفاته في أفعاله وفي كل الوجود روحيا .
ولهذا يرى الولي من الدين ما لا يراه فقهاء الظاهر .
وللحد الذي يظن فيه وكأنه قبس من نور الله كما سنشير في فقراتنا عن الحلول الشعوري ووحدة الشهود.
وخصوصا إن رأى عينه الثابتة في علم الله تعالى كولي .
أو رأى الإحسان الذي يراه الله به . لا الصورة الإحسانية التي يرى فيها نفسه .
فعن هاته المقامات السامية وهاته الأحوال العالية عبر كبار الأولياء..
وبها لا زالوا يزكون مريديهم ويربون ويرشدون :
ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
ولهذا لا بد لك من ولي مرشد قد إكتمل حقا بالله سلوكه ليهديك هذا السبيل الروحي العلي والعميق ..
وما سلوكك وما ولايتك إلا بالله .
فلا كسب لك ولا لأي كان فيها .
ومهما سلكت .
بل ومن عجائب سلوكها أن :
من بدايتها توحيدك وتوبتك كمريد سالك
ثم تجديدك لتوحيدك وتجديدك لتوبتك أيضا كولي واصل.
فأثمن ما يكتشفه الولي الحق عند إكتمال لا كمال دورته الصوفية:
أن توحيده كان مغشوشا لأن تأليهه كان لنفسه لا لله عند حلوله الشعوري وأحوال وحدة الشهود وبشراه بالولاية.
كما أن توبته كانت ناقصة لظنه عند إلتزامه :
بأنه هو الذي تاب لا الله هو التواب الذي تاب عليه .
وهنا يهدم الولي الحق عند بداية النهاية كل سلوكه وكل بشرياته..
وينسى كل كراماته وكل أعماله ..
ويفنى عن فنائه لعله يبقى حقا بالله .
فيبقى دون فخر بحسنة ..
ودون أي إحساس باطني بالتميز ، ومهما عظمه الناس وبجلوه :
لعل الله حقا يتوب عليه .
وحقا يعفو عنه ويغفر ..
ولعل الله حقا يتولاه : فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
فحسنة المقربين سيئة الأبرار
ولهذا فإن الولي ومهما بشر لا يأمن آخرته ..
وبالتالي فإن كل بداية سلوكك هذا :
في توبتك النصوح الخالصة.
وفي مجاهدتك لنفسك بكثرة ذكرك.
لعل قلبك وروحك ينطلقان محبة وشوقا في هذا السبيل .
فما بينك وبين الله إلا صحراء نفسك.
و لهذا فكل النهاية في توبتك منك .
وفي إستقامتك الباطنة قبل الظاهرة :
فالإستقامة خير من ألف كرامة .
ومن حقق في ذاته وجاهدها عرفها وتحقق ، وتجلى له الحق ..
ومن عرف نفسه عرف ربه ...
ومن ذاق عرف :
يظن الكثير من الطلبة والعلماء الغارقين في بعض التفاسير البيانية واللغوية وعلوم الحديث بأن كل ما سوى دراسة الشريعة والدراسات الإسلامية وعلومهما هذا مضيعة للدين والحياة ...
ناكرين لدعوة القرآن الكريم والحديث الشريف لما سوى هاته الإختصاصات كذلك إما جهلا ..
وإما تعصبا لبعض المذاهب..
ولحد نكرانهم للكثير من الحقائق العلمية ، وللعديد من العلوم الفكرية والفلسفية ولو كانت إسلامية ..
بل ولحد تكفيرهم للعديد من المفكرين والعلماء المخالفين لهم إجتهادا أو سياسة ..
ناسين بأن الرؤيا الكلية والسنية للرسول صلوات الله عليه قد تفرقت من القرآن الكريم بين العديد من العلوم والمعارف والفقهيات البيانية والبرهانية والعرفانية ..
وبأن هاته الرؤيا النبوية الكلية للرسول صلوات الله عليه رؤيا كونية معراجية قد وسعت السماوات والأرض ..:
فالرسول صلوات الله عليه عرج لما فوق السماء السابعة وسدرة المنتهى ، ورأى العديد من الأكوان والمخلوقات والأسرار في معراجه، بل وقد إعتاد أن يرى الجن والملائكة على الدوام .
ولهذا فإن العقل السني النبوي عقل قرآني كوني وكلي شامل وغيبي لا يمكن - ومهما علمنا - الإحاطة بمعاليه ..
ففكره صلوات الله عليه كان أرضيا سماويا ودنيويا أخرويا غيبيا بل وربانيا كامل العبادة والعبودية والعبودة والعبدية لله وحده سبحانه ...
فهو الإنسان الأكمل .
ولهذا لا إحاطة حتى لكبار العارفين بكماله ..
ولا حتى للذين غرقوا في حقيقته المحمدية هاته حتى مدحوها بالألوهة ، وبما لا يليق بمن سوى الله العلي الأعلى سبحانه ...
ولهذا من الممكن أن تكون سنيا في بعض الأعمال والعقائد .
أما أن تنعت نفسك بأنك سني بالكامل : فهذا إدعاء ..
وبعض السلفيين ولا أقول جميعهم من أول المدعين لهذا :
فرغم أن إختصاص معظمهم في علوم الحديث فقط يدعون بأنهم الأقرب للرسول صلوات الله عليه :
بينما عند المقارنة بين علومهم التفصيلية وعلوم غيرهم الإجمالية نقضي بأن البعض منهم أباعد عن هاته النظرة الوجودية للرسول صلوات الله عليه .
والتي وسعت السماوات والأرض .
بل ولم يغرق فيها إلا بعض العارفين بالله الذين وهم يتعالون عن الدنيا زاهدين ..
وجدوا أنفسهم يتعالون على كل الأكوان .
بل وعلى كل السماوات والأرض ..
ولحد حديثهم عن المعراج الروحي للولي الكامل :
حيث تشتاق الروح المحبة للقرب من رب الوجود حتى يفنى العقل والجسم على كل الوجود ...
ويخرق اللب والقلب السماوات لترى الروح من أسرارها ...
وهذا هو الميلاد الصوفي الثاني :
حيث تعود الروح لعالمها الأصلي : عالم الأمر :
قل الروح من أمر ربي .
والذي هو البرزخ العلوي الأول بالأفق الأعلى بين عالم الخلق وعروش الذات الإلهية :
فترى روح الولي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ولكن هذا المعراج روحي ومعنوي فقط.
بينما للرسول صلوات الله عليه المعراج الأكمل : جسدا وروحا ..
ولهذا فإن الروح الموقنة والعارفة إن أحبت وأرادت حقا وجه الله تعالى إشتاقت له فخرقت كل هاته المعالي :
أنوارا وظلمات، وكوابيس وسماوات .. وأكوان وعوالم ....
ولتكتشف بأن كل هذا وكل عوالم الخلق حجاب عن الحبيب الحق ..
بل وليرى الولي عينه الثابتة في علم الله .
والصورة الإحسانية التي يراه الله بها في الأفق المبين إن كان من الكمل .
الأفق الذي سماه بعض الأولياء بالمرآة حتى قال أحدهم فيه :
رأيت محمدا يملي لمحمد صلوات الله عليه.
إذ لا يرى المبشر هنالك إلا صورته الصفاتية ، والإحسان الذي يراه الله به لا الصورة الخلقية له .
فما صورتنا الدنيوية هاته إلا صورة قزمية أولى في طورنا الأول هذا .
بينما خلقنا الله أطوارا.
وسيخلقنا الله فيما لا نعلم كما قال سبحانه : ويخلقكم فيما لا تعلمون.
بل وليبعث كل المومنين عمالقة في القيامة .
فيعرف الولي عند هذا الأفق المبين معنى قوله تعالى في الحديث القدسي :
كنت بصره ... وسمعه ... ويده ... ورجله .
حتى قال من قال في هذا الحال : أنا من أهوى ومن أهوى أنا .
بل وقال له من قال : يا أنا .
سبحانه عنا :
وكل ما يشفع لنا هنا أن لغة الحب سكرانة في نهايتها .
ولحد حديثنا عن الخمرة الأزلية ..
وعن حال السكر كحال محبة وفناء في إسم الله وصفاته..
لا مقام فناء في ذاته.
سبحانه عنا وعلى كل العالمين .
من المؤاخذات الكبرى التي ينتقد بها معظم الفقهاء المتصوفة عقيدة الحلول .
والتي يومن بها وعلى ظاهريتها وماديتها العديد من المفكرين .
والتي تعني حلول اللاهوت في الناسوت أو حلول الخالق في المخلوق .
وبالفعل لهم كل الحق في تكفير كل من يومن بهذا ذاتيا وماديا .
فذات الله العلية متعالية على كل الخلق .
لكن العديد من الأولياء قدس الله أسرارهم إدعوا ولا زالوا يدعون هذا .
بل والسماع الصوفي كالكثير من الدواوين الصوفية مليء بأشعار غثة عن هذا الحلول وهذا الفناء في الله والإتحاد به .
كأشعار الحلاج مثلا الذي يعد النموذج الأكبر لهذا الحال :
فلقد فنى عن ذاته لحد الجذب ولحد نداءاته في الأسواق :
أغيثوني من ربكم .
بل ولحد قوله :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا .
وقوله :
سبحانك سبحاني .
لكن هذا كله كان عن شعور روحي وعن معنويات قلبية فقط
لفنانه عن ذاته محبة لله سبحانه وتعالى قدس الله سره .
لأن الفناء الصوفي لا يعني فناء وحلول ذات الولي في ذات الله سبحانه وتعالى.
بل فناء الولي فناء محبة وعبادة لا غير ..
وحلول شعوري فقط .
ومنة يتفضل بها الله سبحانه وتعالى على من يشاء حال بشراه بالولاية .
وحين يصير الولي محبوبا من الله تعالى بعد أن كان محبا فقط كما بالحديث :
ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .
فيصير كله بالله ولله ومن الله :
كنت بصره ... وسمعه ... ويده .. ورجله .
فيفنى الولي عن أنانيته الناقصة ليعيش ربانيته الكاملة :
فيفنى عن نقص بشريته ليعيش كمال إنسانيته :
فالإنسان الكامل هو الولي العارف.
وليببقى وكأنه : هو لا هو .
لكن برسم : اللاه .
لا رسم إسم الجلالة : الله الذي لا يليق إلا بالخالق الحق سبحانه .
الرسمان اللذان ألحد العديد ممن لم يفرق بينهما من علماء الحروف والفلاسفة.
كإبن عربي قدس الله سره الذي رسم إسم الجلالة بستة حروف عوض خمسة فزاد الواو في الأخير ليرسم إسم الله على شكل : اللاهو . ويقول بتساوي الله مع اللاه .
وليستنتج بأن الله حرفيا تعني اللاهو بل وهو اللاهو .
وليقول بتجلي إسم الجلالة في الوجود عن فيض .
فأثبت الحقائق الصوفية حرفيا وفلسفيا ووجوديا وعلى مادياتها غفر الله لنا وله .
حتى أمر أحد المربين المومنين بهاته الطريقة الأكبرية مريده بقوله : كنه .
وكل هذا والله أعلم لعظيم ولاية إبن عربي قدس الله سره
ولفناء روحه في حب الله تعالى فناء كبيرا
ثم لعدم خروجه من هذا الحال الروحي العظيم حتى الممات ،
وغرقه الكبير في كل الديانات والفلسفات والمعارف..
لكننا وإن كنا نشهد بمقامات وأحوال ولايته الكبرى ..
فإنا لا نقر بكل فلسفته الوجودية رغم تأكيده على تعالي ذات الله سبحانه وتعالى ...
فالفلسفة والأشعار الصوفية - وحتى الإسلامية منها - ليست كلها على صواب وإن كانت كل أحوالها ومقاماتها على هدى وإستقامة.
لعجز التعبير اللغوي عن جل الحمولات الروحية والذوقية
إذ يبقى الولي الكامل حال الفناء هذا عبدا خالصا.
لكن ناسيا لكل جثمانيته ظاهرا .
فيبقى روحا محبة قد نست كل الأكوان وكل الجسد .
لإنغماسه في معارف ولدنيات ويقينيات لا ولن يصدقها غير أهلها .
وليمن الله بعد هذا على كمل الأولياء بمقام البقاء .
ويعود للولي توازنه فانيا عن كل هذا الفناء .
ونافيا لكل أحوال تأليهه وتألهه السابقة .
المقام الذي لا نلمسه عند إبن عربي قدس الله سره لموته فانيا في حب الله تعالى.
والله أعلم .
والمقام الذي عبر عنه الحلاج قدس الله سره بوضوح في آخر أشعاره كقوله :
عجبت منك ومني يا منية المتمني
أدنيتني منك حتى ظننت أنك أني
فأكد بأن كل هاته الأحوال مجرد قرب روحي لا حلولا ماديا .
وكما أكد عند سؤاله رحمه الله :
أأنت أنا ؟ هذا في إلهين .
حاشاك حاشاك من إثبات إثنين .
ليؤكد توحيده الخالص لله تعالى ..
بل وليلتمس الأعذار لمن حكموا بإعدامه في مناجاته الأخيرة قبل قتله :
هؤلاء عبادك قد إجتمعوا لقتلي تعصبا لدينك
وتقربا إليك فإغفر لهم :
فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي ما فعلوا ..
ولهذا لا يزال معظم المتصوفة يلقبونه بشهيد الحب الإلهي .
ولهذا ننفي فقهيا أي حلول ذاتي أو مادي أو فلسفي لذات الخالق في المخلوق.
رغم إثباتنا للفناء وللحلول وليس الإتحاد كمشاعر معنوية وكأحوال ناقصة
أكمل منها - وكلها - مقام البقاء بالله .
ولهذا فإن الصوفي الحق هو من صدقت إرادته لوجه الله تعالى..
ومن فنى عنه ليبقى شعوريا بالله .
ومن كان كله لله كان الله له : بداية ونهاية كل التصوف.
يومن العديد من الفلاسفة الغربيين والشرقيين
وكذا العديد من المتصوفة :
بنظرية وحدة الوجود :
التي تدعي بأن الوجود واحد ومطلق
وبالتالي لا فرق بين الله تعالى والطبيعة
ولحد القول بأن الخلق هو عين الحق .
وذلك إنطلاقا من نظرية الفيض المدعية بأن كل الوجود فائض عن الذات الأولى عبر مراتب عليا وسفلى
وبالتالي فليس هناك خالق وخلق..
بل فقط وجود إلهي في مراتب ..
النظريتان اللتان تتناقضان مع العقيدة القرآنية
ومع العديد من العلوم الحقة .
فالوجود السماوي والأرضي أتى حقا عن مراتب كما بالقرآن الكريم لكن مراتب خلقية لا فيضية .
وعن فتق من رتق كما بقوله تعالى :
أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما .
الآية التي تؤكد بمخلوقية الوجود عن فعل إلهي لا عن فيض .
وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون .
فما ثم في الوجود إلا أفعال الله سبحانه وتعالى وكلماته وبعض صفاته :
فكما تدل أي صنعة عن الصانع وبعض خصائصه :
تدل بل وتتجلى في كل الوجود بعض صفات الله تعالى ..
والتي نلمسها عقلا :
إذ يدل الكون لكل متدبر على صفات الله تعالى :
الخالق والعليم والحكيم والكريم والرزاق .....وغيرها..
وكل ما نعلم من صفات الله تعالى وما لا نعلم.
وهذا لأولي الألباب من المتفكرين في خلق السماوات والأرض .
أما المتصوفة وذووا الأذواق الروحية فلا يصلون إلى تجلي هاته الصفات الربانية عن عقل وتدبر فقط
بل عن أذواق قلبية وروحية وعن محبة كبرى لله تعالى .
ولحد رؤيتهم لبعض أنوار هاته الصفات كونيا ..
بل ولحد يقين بعضهم بوحدة الشهود النورانية هاته لا وحدة الوجود المادية .
فحينما تتجلى بعض صفات الله تعالى كونيا على قلب وروح الولي كإسمه تعالى : القريب :
يحس وكأن ذات الله تعالى قريبة من حبل وريده ..
وتحيط به من جهاته الست ..
بل وكأنه لا كون .. وما ثم إلا الله . بل وكأن الكون هو الله .
وللحد الذي لا يفرق فيه بعض أدمغة التصوف ولليوم :
بين وحدة الوجود المادية هاته
ووحدة الشهود النورانية والمعنوية الصوفية :
فالله نور السماوات والأرض .
وحينما يتجلى الله تعالى بإسمه تعالى النور على قلب وروح الولي تفنى أمامه كل ظلمات الكون ..
ولحد فنانه عن كل طينيته .
وإضمحلال كل الكون عنه.
فيفني من لم يكن ليبقى من لم يزل . كما قالوا .
وحتى قالوا في هذا الحال :
ما ثم في الوجود إلا الله .
وبأن الخلق عين الحق .
لكن عن حال صوفي فقط
وليس عن حقيقة علمية ويقينية أو مقام كما يظن من لم تكتمل بعد دورته الصوفية..
إذ الحقيقة أن السماوات والأرض كلها ظلمات .
ولا تنيرها إلا أنوار صفات الله تعالى المتجلية فيها :
الله نور السماوات والأرض.
ولهذا فرغم ظلمات الكون هاته يرى من يرى بقلبه وببصيرة روحه كل الوجود أنوارا ..
كما لا يرى الضالون في كل الوجود إلا الطبيعة والمادة .
ولحد العقيدة :
بأن النور الكوني الحق هو فلسفات إبليس اللعين..
ولا تنوير إلا بأنوار كفرياته العلموية .
وليقع المومنون بوحدة الوجود المادية كذلك في عقيدة الإثنية : إله النور وإله الظلام وفي تأليه إبليس .. بل وفي تعدد الآلهة :
بل وبأن كل الكون وكل الخلق تعبير عن اللاهو : كرمز لله.
ولحد اليقين بأن الله متجلي في كل الوجود بذاته لا فقط بأنوار صفاته سبحانه .
وأكبر ما سجن عقول هؤلاء الفلاسفة في وحدة الوجود المادية هاته :
ظنهم بأن الله هو المطلق
وما دمنا جزءا من المطلق
فنحن جزء من الذات العلية كما قال الله تعالى عنهم :
وجعلوا له من عباده جزءا
بينما ذات الله تعالى وكما قال إبن عربي :
جد متعالية ولا نشم لها أية صفة.
وبالتالي فهي فوق كل المطلق وفوق كل الوجود
وما ثم إلا تجلي بعض صفاتها على قلوب وأرواح بعض الأولياء وجوديا وفي الأنفس .
ولهذا نومن بوحدة الشهود النورانية هاته لا وحدة الوجود المادية .
فما الخلق إلا صفر وجودي عند تجلي الذات الإلهية .
فالحمد لله على عظمة الله تعالى وعلى معاليه وكل علياءاته.
والحمد لله على ضعفنا وكل نقصنا:
فالله قد وضع أكبر كمالاته في أضعف مخلوقاته : الإنسان .
ولهذا كان كل كمالنا في ضعفنا ونقصنا .
وكل الحمد للكامل الحق ربنا .
ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها . صدق الله العظيم