يظن الكثير من الطلبة والعلماء الغارقين في بعض التفاسير البيانية واللغوية وعلوم الحديث بأن كل ما سوى دراسة الشريعة والدراسات الإسلامية وعلومهما هذا مضيعة للدين والحياة ...
ناكرين لدعوة القرآن الكريم والحديث الشريف لما سوى هاته الإختصاصات كذلك إما جهلا ..
وإما تعصبا لبعض المذاهب..
ولحد نكرانهم للكثير من الحقائق العلمية ، وللعديد من العلوم الفكرية والفلسفية ولو كانت إسلامية ..
بل ولحد تكفيرهم للعديد من المفكرين والعلماء المخالفين لهم إجتهادا أو سياسة ..
ناسين بأن الرؤيا الكلية والسنية للرسول صلوات الله عليه قد تفرقت من القرآن الكريم بين العديد من العلوم والمعارف والفقهيات البيانية والبرهانية والعرفانية ..
وبأن هاته الرؤيا النبوية الكلية للرسول صلوات الله عليه رؤيا كونية معراجية قد وسعت السماوات والأرض ..:
فالرسول صلوات الله عليه عرج لما فوق السماء السابعة وسدرة المنتهى ، ورأى العديد من الأكوان والمخلوقات والأسرار في معراجه، بل وقد إعتاد أن يرى الجن والملائكة على الدوام .
ولهذا فإن العقل السني النبوي عقل قرآني كوني وكلي شامل وغيبي لا يمكن - ومهما علمنا - الإحاطة بمعاليه ..
ففكره صلوات الله عليه كان أرضيا سماويا ودنيويا أخرويا غيبيا بل وربانيا كامل العبادة والعبودية والعبودة والعبدية لله وحده سبحانه ...
فهو الإنسان الأكمل .
ولهذا لا إحاطة حتى لكبار العارفين بكماله ..
ولا حتى للذين غرقوا في حقيقته المحمدية هاته حتى مدحوها بالألوهة ، وبما لا يليق بمن سوى الله العلي الأعلى سبحانه ...
ولهذا من الممكن أن تكون سنيا في بعض الأعمال والعقائد .
أما أن تنعت نفسك بأنك سني بالكامل : فهذا إدعاء ..
وبعض السلفيين ولا أقول جميعهم من أول المدعين لهذا :
فرغم أن إختصاص معظمهم في علوم الحديث فقط يدعون بأنهم الأقرب للرسول صلوات الله عليه :
بينما عند المقارنة بين علومهم التفصيلية وعلوم غيرهم الإجمالية نقضي بأن البعض منهم أباعد عن هاته النظرة الوجودية للرسول صلوات الله عليه .
والتي وسعت السماوات والأرض .
بل ولم يغرق فيها إلا بعض العارفين بالله الذين وهم يتعالون عن الدنيا زاهدين ..
وجدوا أنفسهم يتعالون على كل الأكوان .
بل وعلى كل السماوات والأرض ..
ولحد حديثهم عن المعراج الروحي للولي الكامل :
حيث تشتاق الروح المحبة للقرب من رب الوجود حتى يفنى العقل والجسم على كل الوجود ...
ويخرق اللب والقلب السماوات لترى الروح من أسرارها ...
وهذا هو الميلاد الصوفي الثاني :
حيث تعود الروح لعالمها الأصلي : عالم الأمر :
قل الروح من أمر ربي .
والذي هو البرزخ العلوي الأول بالأفق الأعلى بين عالم الخلق وعروش الذات الإلهية :
فترى روح الولي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ولكن هذا المعراج روحي ومعنوي فقط.
بينما للرسول صلوات الله عليه المعراج الأكمل : جسدا وروحا ..
ولهذا فإن الروح الموقنة والعارفة إن أحبت وأرادت حقا وجه الله تعالى إشتاقت له فخرقت كل هاته المعالي :
أنوارا وظلمات، وكوابيس وسماوات .. وأكوان وعوالم ....
ولتكتشف بأن كل هذا وكل عوالم الخلق حجاب عن الحبيب الحق ..
بل وليرى الولي عينه الثابتة في علم الله .
والصورة الإحسانية التي يراه الله بها في الأفق المبين إن كان من الكمل .
الأفق الذي سماه بعض الأولياء بالمرآة حتى قال أحدهم فيه :
رأيت محمدا يملي لمحمد صلوات الله عليه.
إذ لا يرى المبشر هنالك إلا صورته الصفاتية ، والإحسان الذي يراه الله به لا الصورة الخلقية له .
فما صورتنا الدنيوية هاته إلا صورة قزمية أولى في طورنا الأول هذا .
بينما خلقنا الله أطوارا.
وسيخلقنا الله فيما لا نعلم كما قال سبحانه : ويخلقكم فيما لا تعلمون.
بل وليبعث كل المومنين عمالقة في القيامة .
فيعرف الولي عند هذا الأفق المبين معنى قوله تعالى في الحديث القدسي :
كنت بصره ... وسمعه ... ويده ... ورجله .
حتى قال من قال في هذا الحال : أنا من أهوى ومن أهوى أنا .
بل وقال له من قال : يا أنا .
سبحانه عنا :
وكل ما يشفع لنا هنا أن لغة الحب سكرانة في نهايتها .
ولحد حديثنا عن الخمرة الأزلية ..
وعن حال السكر كحال محبة وفناء في إسم الله وصفاته..
لا مقام فناء في ذاته.
سبحانه عنا وعلى كل العالمين .